طرد الأطفال في تزايد: نضال ينّي من أجل منزل آمن
أول ما لاحظته ينّي في المسكن الجديد هو أنّ أرضية المدخل كانت بلون مختلف عن باقي الشقة، فتساءلت عن السبب وراء ذلك.
كان ذلك قبل أكثرَ من عام عندما انتقلت ينّي وأطفالها إلى الشقة المستأجرة جنوب ستوكهولم. و ما لم يكونوا يعلمونه هو أن حادث إطلاق نار كان قد وقع هناك قبل ثمانية أشهر. حيثُ تم إطلاقُ خمسة عشر رصاصة من سلاح ناري أوتوماتيكي محمل بالذخيرة الحية.
كانَ الباب الخارجي جديدا، ولم تكن هناك أية آثار ثقوب الرصاص على الباب أو التلف على الجدران داخل الشقة حيثُ تمّ ترميمها. أما الأثر الوحيد الذي بقي من الحادث كانت الأرضية الجديدة في المدخل. ما دفعَ بيّني البحثَ عن العنوان في الإنترنت، وظهرت مقاطع فيديو من حادثة إطلاق النار.
كان اكتشاف أن العائلة انتقلت إلى مكان وقعت فيه مشاهد عنف أمرا مزعجا للغاية بالنسبة ليني لتعرضها للعنف سابقا.
ــ علمت أنّ هناك من أطلق النار على بابي، وأن الرصاصات اخترقت الشقة بأكملها. إنه أمر مزعج؛ أمرٌ يبقى في عقلك طوال الوقت. تخيل لو أن من أطلقوا النار لم يعرفوا أن من كانوا يعيشون هنا قد غادروا.
تأثرت بديون الإيجار التي خلفها زوجها
تعمل يني اليوم بدوام كامل وتعيش بالكاد على الحد الأدنى من المعيشة بسبب الديون التي ورثتها عن زوجها. تقول إنه من خلال التهديدات والعنف، كان يأخذ أموالها لتمويل إدمانه على الكحول. وعندما كان يشرب، كان يصبح عنيفا. وقد حُكم عليه بالسجن بتهم التهديد غير القانوني وانتهاك حقوق المرأة الجسيمة.
كما أدى إدمانه إلى تراكم ديون الإيجار عليها وعندما توفي بسبب إدمانه، اضطرت لتحمل ديون الإيجار كاملةً. وقد تسببت الديون هذه في سنوات من عدم الاستقرار لها ولأطفالها.
تحذير الأطباء وأخصائيو النفس
هذا وقد نشرت صحيفة Hem & Hyra قبل ثلاث سنوات قصة عن العائلة التي عانت لسنوات من العنف والديون وعدم الاستقرار في السكن، حتى حصلوا أخيرا على مساعدة لتأمين سكن لهم.
واخيرا وبعد بعد سنوات من الصدمات استقرت يني وأطفالها في شقتهم في منطقة باندهاغن التي أصبحت نقطة استقرار لهم.
الشقة، التي تمَّ استاجارها عبر الخدمات الاجتماعية، أصبحت بالنسبة لهم مكانا آمنا.
في حينها ادّعت الخدمات الاجتماعية أن يني وأطفالها لم يعودوا ضمن الفئة التي تستحق الدعم للحصول على سكن دائم، وقالوا إن عائلة أخرى قد تكون بحاجة أكبر لهذه الشقة، ما يعني أن الأسرة سيتم طردها، على الرغم من تحذيرات الأطباء وأخصائي النفس من خطورة التأثير النفسي على الأطفال إذا تم إبعادهم عن بيئتهم.
حاولت يني التصدي للقرار عندما أرادت الخدمات الاجتماعية انتزاع السكن من الاطفال، رغم تحذيرات الأطباء وأخصائيي النفس.
وعندما قررت يني الطعن في قرار البلدية، خسرت الدعوى القضائية. ونتيجة لذلك، تكبّدت أكثر من 40,000 كرون في تكاليف المحاكمة، وهي الآن تقوم بسدادها للبلدية.
أُجبرت على الانتقال
طُردت يني وأطفالها من قِبل البلدية وأُجبروا على مغادرة سكنهم في باندهاغن. وبعد ذلك، رأت الخدمات الاجتماعية أن العائلة لا تزال بحاجة إلى سكن مؤقت، فتم عرض شقة عليهم في منطقة بيوركهاغن، عبر SHIS، وهو مورد سكن اجتماعي تابع لمدينة ستوكهولم.
كانت الشقة بمساحة 110 متر مربع، واسعة لكنها قديمة وتحتاج للعناية. ومع ذلك، كانت الإيجار الشهري البالغ أكثر من 15,900 كرون يمثل عبئا ثقيلًا. في بعض الأحيان لم تكن الأموال تكفي للطعام، مما دفعها للتنقل بين متاجر طعام مختلفة للبحث عن أرخص السلع.
وقد وُعدت العائلة بالبقاء في العنوان لمدة خمس سنوات، ولكن بعد مرور عام واحد فقط أُجبروا على الانتقال مرة أخرى. لم يكن المسكن آمنا، وتم إنهاء عقود كل المستأجرين الذين يسكنون عن طريق البلدية.
– كانت الفوضى منتشرة، وتجارة المخدرات علنية. تم كسر باب المبنى عدة مرات.
بعد ذلك، تم نقلهم إلى العنوان التالي، وهو شقة أصغر في جنوب ستوكهولم تديرها شركة السكن Familjebostäder، وهي شقة بثلاث غرف تبلغ مساحتها 70 مترا مربعا، وقد تم تنظيفها للتو بعد حادثة عنف.
”لا خيار آخر”
اضطرت يني للتخلي عن سرير ابنها وبعض الأثاث. أما الآن، فليس لديه مساحة خاصة به سوى خزانة صغيرة، في حين تبقى صناديق ممتلكاتهم مخزنة في قبو السكن. أصبحت التنقلات من سكن إلى آخر متكررة حيث أن العقد الحالي مؤقت لبضع سنوات فقط.
– إذا علقت شيئا، سأترك ثقوبا يجب عليّ إصلاحها لاحقا، وقد يطلبون مني دفع تكاليفها.
يشارك ابنها السرير معها في غرفة المعيشة التي تم دمجها مع المطبخ.
– نعيش في مكان ضيق جدا. من الصعب أن تكون لنا خصوصية في مساحة ضيقة، الأمر مرهق حقا.
خسارة الأصدقاء بعد الانتقال
عندما يلعب ابنها على الكمبيوتر، يزعج ذلك أخواته اللواتي يعانين من حساسية مفرطة تجاه الأصوات، ما يؤدي إلى مشاجرات وصراعات متكررة. إن ضيق المسكن وافتقارهم للاستقرار يؤثران على الأسرة بأكملها، لكن الوضع يكون أصعب بكثير على الأطفال الذين يعانون من تشخيصات نفسية وعصبية مختلفة.
– ليس لدينا خيار سوى العيش بهذه الطريقة. يسألني ابني باستمرار عن موعد حصوله على غرفة وسرير خاصين به.
تشعر يني أيضا أنها محاصرة، وتضيف:
– لا أجد مكانا خاصا بي في المنزل. إذا أردت التحدث في مكالمة هاتفية، فإن المكان الوحيد المتاح هو الحمام.
بالنسبة لابنها، كان الانتقال صعبا بشكل خاص، حيث خسر أصدقاءه في باندهاغن، إذ كان لديه هناك أصدقاء يلتقي بهم في أوقات فراغه. الآن، يقضي وقته في المنزل على الكمبيوتر، وغالبا ما يعبر عن شعوره بالملل.
وتوضح يني أنّ رحلته إلى المدرسة كانت تستغرق سابقا 20 دقيقة فقط، أما الآن فتستغرق ساعة كاملة، ما أثر سلبا على دراسته ورفع نسبة غيابه عن المدرسة.
طرد الأطفال آخذ في الازدياد
ينّي وأطفالها ليسوا وحيدين في معاناتهم فعدد العائلات التي لديها أطفال والتي تواجه الطرد آخذٌ في الازدياد. ومن بين الجهات التي تقوم بعمليات الطرد تتمثلُ في البلديات وشركات السكن التابعة للبلدية. صحيفة Hem & Hyra قامت بمراجعة جميع حالات طرد العائلات مع الأطفال التي لدى مصلحة الجباية التنفيذية(Kronofogden) معلومات عنها في مقاطعة ستوكهولم خلال السنوات الخمس الماضية. وتبين أن البلديات وشركات السكن التابعة للبلدية هي المسؤولة عن نصف حالات الطرد التي طالت عائلات لديها أطفال العام الماضي.
بلغت عدد عمليات الطرد التي تأثرت بها العائلات التي لديها أطفال مستوى قياسيا في البلاد، العام الماضي. حيث وصلت إلى 343 حالة. هذه الأرقام تشير إلى الحالات التي تدخلت فيها مصلحة الجباية التنفيذية، لكن هناك عددا غير معروف من الحالات التي لا يتم الإبلاغ عنها. وفقا للأرقام، تم طرد 674 طفلاً إجمالاً، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 17% مقارنة بالعام السابق. وكان يعيشُ معظم هؤلاء الأطفال مع عائلاتهم بشكل دائم.
في الوقت نفسه، تعرض 1,348 طفلاً لتهديد بالطرد العام الماضي، وفقا لمصلحة الجباية التنفيذية . لكن في هذه الحالات لم يتم تنفيذ عملية الطرد أبدا. قد تكون هذه الحالات مرتبطة بأسر كانت قد انتقلت بالفعل وأعادت المفاتيح إلى المؤجرين.
استمرت التطورات السلبية خلال النصف الأول من هذا العام، حيث تم طرد 188 عائلة لديها أطفال في جميع أنحاء البلاد. بزيادة تتمثل نسبتها بـ 13% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
و تبرز مقاطعة ستوكهولم على مدار السنوات الخمس الماضية بتسجيل 274 حالة طرد لعائلات مع أطفالها، بينما سُجلت 245 حالة طرد في مقاطعة سكونه، و141 حالة طرد لعائلات مع أطفال في مقاطعة فسترا جوتالاند خلال الفترة من 2019 إلى 2023.
”كثيرون لا يحصلون على المساعدة”
تعبر يني عن صدمتها إزاء هذه الأرقام وتقول:
– هذا أمر فظيع. الكثيرون يلجؤون إلى الخدمات الاجتماعية، لكنهم لا يحصلون على أي مساعدة. إن التنقل المستمر يسبب صدمات كبيرة.
ورغم أن السويد قد تبنت اتفاقية حقوق الطفل كقانون، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يحدث فرقا. تقول يني:
– يبدو ذلك جيدا على الورق، لكنني لا أعتقد أن هذا القانون يُستفاد منه بشكل كافٍ في الواقع.
بعد التنقل المتكرر، أصبح من غير المجدي بالنسبة لهم تفريغ الصناديق؛ فالأغراض الزخرفية ما زالت مخزنة في إحدى الخزائن. وهي تأمل أن يتمكنوا في المرة القادمة من الانتقال إلى مكان آمن يمكنهم الاستقرار فيه.
وتقول: ”أريد لأطفالي أن يشعروا بالهدوء والطمأنينة، وأن نعيش في مكان يمكننا البقاء فيه لفترة طويلة، حيث يمكننا تعليق الصور وتزيين منزلنا. أريد أن أُرتب منزلي الخاص ولا أضطر إلى الانتقال مرة أخرى.”
تكشف بيانات من هيئة الخدمات الاجتماعية في السويد أن خُمس البلديات فقط لديها إجراءات حالية لمنع طرد العائلات التي لديها أطفال وتعاني من ديون الإيجار. وفي إقليم ستوكهولم، فإن أقل من 40% من البلديات والأحياء تملك مثل هذه الإجراءات.
حقائق: ما يجب فعله عند التهديد بالطرد
عدد العائلات التي لديها أطفال يزدادُ طردها على الرغم من أنّ اتفاقية حقوق الطفل أصبحت قانونا. فقد تبنت الحكومة الائتلافية آنذاك رؤية صفرية في عام 2008، اي طرد العائلات واطفالها يجب ان يصل الى مستوى الصفر. وأعلنت وزيرة شؤون كبار السن والصحة العامة ماريا لارسون (KD) أنه اعتباراً من عام 2012 لن يحتاج أي طفل إلى مواجهة الطرد.
وقد أصبحت اتفاقية حقوق الطفل قانونا سويديا منذ يناير 2020،. و أحد المبادئ الأساسية في اتفاقية حقوق الطفل هو أن يتم مراعاة مصلحة الطفل الفضلى في جميع القرارات المتعلقة بالأطفال. وينص قانون الخدمات الاجتماعية أيضا على هذا. وعليه يتوجب إجراء تحليلات لتأثير القرارات على الأطفال عندما يكون للقرار عواقب واضحة على الأطفال.
كما يمكن للخدمات الاجتماعية أنْ توقف إنهاء الإيجار بسبب الديون إذا تولت مسؤولية السداد. و في الحالة هذه، لا يمكن للمالك متابعة عملية انهاء عقد الايجار. وعلى الرغم من ذلك تظهر التحقيقات أن الخدمات الاجتماعية لا تكون على علم بوجود هذه الإمكانية في الغالب.
التزمت الدولة بضمان الحق في السكن بشكل عام والتأكد من حماية حقوق الأطفال، وفقا للدستور السويدي. كما توجدُ آليات حماية في قانون الإيجار ايضا والذي ينص على أن السكن الحالي للأفراد يجب أن يكون محميا في المقام الأول.
و تظل مسؤولية الخدمات الاجتماعية قائمة بعد الطرد، مما يعني أنّ الشخص الذي لا يستطيع تلبية احتياجاته بنفسه أو بأي طريقة أخرى يحق له الحصول على المساعدة، بما في ذلك السكن.
و تشمل السلطات السويدية أيضا اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، التي تنص على أنه يجب إجراء تقييم لمعرفة ما إذا كان اجراء الطرد معقولًا، خاصة في حالات الديون الصغيرة التي تؤثر على وضع الأسرة السكني لفترة طويلة.
-
طلب المساعدة القانونية فورا: تقدم جمعية المستأجرين استشارات قانونية، ويمكنك أيضا التواصل مع مصلحة التنفيذ لمعرفة ما هي حقوقك.
-
فرصة لتسديد الدين: قد تحصل على مهلة لسداد الدين والبقاء في السكن. يمكنك الاحتفاظ بالعقد إذا دفعت كامل الدين خلال ثلاثة أسابيع، وإلا يستطيع المالك متابعة الطرد مع مصلحة التنفيذ.
-
التفاوض على تسوية: قد يكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق مع المالك يتضمن خطة سداد أو الاعتراض على الإخلاء وتقديم القضية للمحكمة.